ما إن تكتمل فكرتك ويكون ابتكارك أو منتجك جاهزًا للخروج للنور فلا شك أنك ستتجه للبحث عن أفضل الطرق للإعلان عن نجاحك، ولكن هل تأكدت من حماية فكرتك بالقدر الكافي قبل الإعلان عنها؟! قد يمنعك انتهاك حقوق الملكية الفكرية من الاستفادة من أفكارك ومبتكراتك، فعلى الرغم من تغليظ عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية إلا أن هناك العديد من أشكال الانتهاك التي تهدد المبتكرين والمخترعين ورواد الأعمال..
إطار حقوق الملكية الفكرية:
أصبحت الملكية الفكرية قاطرة التنمية في القرن الحادي والعشرين، حيث تغطي الآن كل شيء بدءًا من صياغة الفكرة وإجراءات العمل وكافة مراحل التنفيذ حتى الوصول للمنتج النهائي، وفقًا لتعريف المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) “الملكية الفكرية هي إبداعات العقل وتشمل الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والرموز المُمَيّزة والأسماء والصور والتصميمات المستخدمة في التجارة والصناعة وغيرها”.
بداية من اسم العلامة التجارية والشعار إلى المنتجات والخدمات والعمليات و..إلخ، تغطي الملكية الفكرية مجموعة واسعة من المواضيع، ففي عصر الانترنت كان لا بد أن يواجه المستخدمون خسائرًا وعقوبات واضحة عند استخدام هذه الممتلكات سواء الملموسة أو غير الملموسة دون إذن المالك.
لاشك أن الجميع يستفيد من شبكات الانترنت، واستراتيجيات التسويق المُبتكرة التي تسمح لنا بالوصول إلى أكبر عدد من الجمهور أو العملاء في أسرع وقت وبأفضل تكلفة ممكنة، ولكنها في الوقت ذاته ضاعفت مخاطر انتهاك حقوق الملكية الفكرية، وأطاحت بفرص الكثير من المبتكرين،
لذلك تشهد سياسات حماية حقوق الملكية الفكرية تطورًا ملحوظًا لتشمل كافة مراحل العمل، وتضمن حماية المخترعين وفرض عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية على المتعدين أيًا كانت أشكال الانتهاك، ولنوضح أولًا بإيجاز سريع أشكال حماية الملكية الفكرية ومن ثم أشكال الانتهاك المتوقعة والحلول القانونية للتغلب عليها..
أشكال حماية حقوق الملكية الفكرية:
في بادئ الأمر اقتصرت حقوق الملكية الفكرية على الملكية الصناعية لبراءات الاختراع والعلامات التجارية والملكية الأدبية للمؤلفات، ولكن الآن هناك أكثر من شكل لحماية حقوق الملكية الفكرية في جميع مجالات الفن والزراعة والصناعة والتجارة كالتالي:
- براءات الاختراع
- العلامات التجارية
- النماذج الصناعية
- الدارات المتكاملة
- الأصناف النباتية
- حقوق المؤلف والحقوق المجاورة
يتضمن كل شكل من هذه الأشكال فئة واسعة من حقوق الملكية الفكرية، والتي بدورها أعطت مساحة للمبتكرين ورواد الأعمال لحماية أفكارهم خلال مراحل التنفيذ العملي المختلفة، حتى قبل الانتهاء من تنفيذ الفكرة وطرح المنتج النهائي.
على سبيل المثال، إذا كنت تفكر في تصميم وإنشاء تطبيق إلكتروني جديد، فإنه في عالم الذكاء التكنولوجي لابد أن تكون كل خطوة مدروسة ومؤمنة بدقة واحترافية، لذلك تبدأ إجراءات حماية حقوق الملكية الفكرية مع بداية الخطوات العملية لتنفيذ الفكرة كالتالي:
- بعد الانتهاء من إعداد تصور كامل حول فكرة التطبيق، تبدأ مرحلة البرمجة وهنا يتم يلزم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الفكرة قبل طرحها أو التصريح بجزء منها لفريق العمل، ويتم ذلك من خلال اتفاقيات عدم الإفصاح التي تضمن لك الحفاظ على سرية الفكرة.
- عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية لا تُوقع فقط على من يقوم بمخالفة اتفاقية عدم الإفصاح، ولكن هناك أيضًا اتفاقية عدم المنافسة التي تُلزِم الموقِعون عليها بعدم استغلال المعلومات والأسرار التجارية الخاصة بمشروعك لحسابهم الخاص أو لحساب الغير.
- اتفاقية الحصول على الكود المصدري للتطبيق، والتي تمنح المالك حق ملكية الكود الخاص بالتطبيق، الذي تتم حمايته قانونيًا بموجب حقوق الطبع والتأليف.
- يمتلك التطبيق الإلكتروني الآن شعار وعلامة تجارية مميزة وهنا يلزم تسجيل العلامة التجارية والشعار المميز.
- بعد الانتهاء من تصميم التطبيق وتهيئته للنشر تتم حمايته أولًا بموجب قانون براءات الاختراع، ومن ثم يمكنك بث التطبيق وبدء العمل.
قد تبدو حقوق الملكية الفكرية صعبة ومُعقدة على رواد الأعمال والمبتكرين، ولكنها في الأساس وُضعت لخدمة مصالحهم وأهدافهم المعنوية والتجارية، وفي جميع الأحوال هناك حاجة ماسة لاتباع استراتيجية مُنظمة لحماية حقوق الملكية الفكرية لجميع الأصول على اختلاف شواكِلها..
اشكال انتهاك حقوق الملكية الفكرية:
تتعدد اشكال انتهاك حقوق الملكية الفكرية حسب الفئة وطبيعة ونوع المنتج، كما تتنوع بين التقليد والغش والاستخدام غير المُصرح به، حيث أثرت التكنولوجيا المتطورة بشكل كبير في ظهور العديد من محاولات انتهاك حقوق الملكية الفكرية مثل:
- استخدام الهيكل الخارجي للأجهزة الأصلية وتغيير القطع الداخلية، فيصعب على المستهلك التمييز بين المنتج الأصلي وغير الأصلي.
- وضع شريط لاصق مُطابق للأشرطة الخاصة بالمنتجات أو الأجهزة الأصلية لمنع المستهلك من الاطلاع على المنتج قبل شرائه.
- تقليد الأغلفة والحاويات الكرتونية والورقية للمنتجات الأصلية واستبدالها بمنتجات غير مطابقة للمواصفات مما يضر بسمعة المنتج.
- تقليد العلامة التجارية والاسم التجاري أو الشعار المميز للشركة واستخدام البيانات التجارية لخداع المستهلك أو البائع الحائز للمنتج.
- الوصول غير الشرعي للبرمجيات ومحاولة تقليد نسخ غير أصلية أو نسخ قائمة على نفس الفكرة وطرحها بالأسواق.
- نسخ المؤلفات المحمية أو تجاوز شروط الاقتباس المسموح بها أو طباعة المصنفات وطرحها بالأسواق أو التعديل عليها ونسبها للغير.
إذا ما تحدثنا عن اشكال انتهاك حقوق الملكية الفكرية فهناك مئات بل آلاف الخدع التي ينطلي بها المتعدون على حقوق الغير والتي لا يمكننا حصرها؛ لذلك لابد أن تكون حماية حقوق الملكية الفكرية مسؤولية مشتركة تقع في المقام الأول على خبراء حماية الملكية الفكرية لرصد أشكال التعدي واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتوقيع عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية على المتعدين.
عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية:
يُنظم عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية في المملكة العربية السعودية أكثر من تشريع قانوني، سواء كان ذلك مرتبطًا بالحقوق المادية أو المعنوية، لذلك تختلف العقوبة تبعًا لـ اشكال انتهاك حقوق الملكية الفكرية وتفاصيل الدعوى، ولكن بوجه عام تأخذ دعوى انتهاك حقوق الملكية الفكرية المسار التالي:
- يقوم المالك برفع دعوى أمام الجهة المختصة يوضح فيها شكل انتهاك حقوق الملكية الفكرية الخاصة به.
- تتعامل الجهة المسؤولة مع الدعوى ويتم تشكيل لجنة للنظر فيما تقدم به المُدعي وإصدار التقرير الخاص بالواقعة.
- إذا ثبت انتهاك حقوق الملكية الفكرية للمدعي يتم توقيع العقوبة المناسبة لتفاصيل الواقعة أو إحالة الدعوى لديوان المظالم.
أما عن العقوبات العامة المتوقعة بعد ثبوت انتهاك حقوق الملكية الفكرية المُسجلة قانونيًا فإنها تدور حول هذه العقوبات:
- الإنذار القانوني للمتعدي، وفي حالة تكرار المخالفة يتم استخدام عقوبات أخرى.
- غرامة مالية لا تزيد عن مليون ريال سعودي، كما يمكن للمالك المطالبة بتعويض مادي مناسب مقابل الضرر الذي لَحِق به نتيجة انتهاك حقوقه الخاصة.
- إغلاق المنشآت وأماكن العمل التي يتم من خلالها تقليد المنتجات لمدة لا تزيد على عامين، ومُصادرة جميع الأدوات أو المنتجات المُقلدة سواء في ورش التصنيع أو مراكز البيع.
- تتضمن عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية أيضًا الحبس، علمًا بأنه يتم تحديد مدة العقوبة من خلال ديوان المظالم.
هذا بالإضافة إلى أنه في حالة تكرار المخالفة والتعدي على حقوق الآخرين بأي شكل من اشكال انتهاك حقوق الملكية الفكرية يتم مضاعفة العقوبة السابقة، ونشر تفاصيل المخالفة والحكم النهائي في الصحف الوطنية على نفقة المحكوم عليه لردع المتعدين على الحقوق المادية والمعنوية للآخرين، ولكن متى تُطبق عقوبات انتهاك حقوق الملكية الفكرية؟
استراتيجيات حماية حقوق الملكية الفكرية:
أشرنا في الفقرة السابقة إلى عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية بإيجاز سريع، ولكن متى يحِق للمالك رفع دعوى انتهاك حقوق الملكية الفكرية، وكيف يتم التعامل مع أشكال انتهاك الملكية المتعددة أو تجنبها من الأساس؟
حماية الملكية الفكرية بالأساس هي استراتيجية متواصلة تبدأ مع ظهور الفكرة وتستمر بالتوازي مع مراحل تطوير الفكرة طوال فترة العمل، لذلك يلزم تبني استراتيجية واضحة لتسجيل وحماية الملكية الفكرية، فالتسجيل القانوني يضمن لك الاعتراف بحقوقك الخاصة والحق في المطالبة بإيقاف انتهاكها أو التعدي عليها.
لذلك فإنه لن يتم الاعتراف بحقوق ملكيتك الفكرية إن لم تكن مُسجلة بشكل قانوني، وبناء عليه تكون أول خطوات حماية حقوق الملكية الفكرية هي التسجيل القانوني، بالإضافة إلى هذه الطرق الفعالة:
-
تسجيل حقوق الملكية الفكرية
وضع حقوق الملكية الفكرية الخاصة بك في إطار قانوني هو الحل الأمثل كي تتمكن من استغلالها، وفي الوقت ذاته تتمكن من المطالبة بتوقيع عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية على أي فرد طبيعي كان أو اعتباري يحاول التعدي على حقوقك بطريقة غير شرعية.
قد يكون تسجيل العلامات التجارية وبراءات الاختراع وحقوق التأليف أمرًا واضحًا، ولكن ماذا عن الأفكار التي لم تدخل حيز التنفيذ العملي بعد وتخشى من سرقتها قبل التنفيذ؟ هذه الأفكار أيضًا تتم حمايتها قانونيًا بصور مختلفة تعتمد على طبيعة الفكرة كما سبق وأوضحنا في المثال الخاص بالتطبيقات الإلكترونية.
إذن أيًا ما كانت فكرتك أو المرحلة التطبيقية التي تمر بها فإنه يلزم التواصل مع المختصين لفحص سبل حمايتها في إطار قانوني مناسب واتخاذ الإجراءات اللازمة للتسجيل القانوني.
-
توثيق خطوات العمل
بطريقة ما أو بأخرى قد يحصل منافسوك على بعض التسريبات عن اختراعك أو فكرتك ويمكنهم بلورتها وتسجيلها للحصول على براءة اختراع حصرية، وقد تواجه صعوبة في إثبات ملكية فكرتك إن لم يكن هناك خطوات وأدلة موثقة تثبت ذلك، وتوثق تطور مرحلة التنفيذ العملي للفكرة.
لا تزال الملكية الفكرية واحدة من أصعب الأصول التي يمتلكها الأفراد، وعادة ما يرجع ذلك لطبيعتها غير الملموسة، ولكن لحسن الحظ هناك تطور ملحوظ في التشريعات والقوانين لاستيعاب كافة حقوق الملكية الفكرية، فقط عليك تحديد أدلة كل مرحلة بوضوح وتوثيقها لضمان حق الملكية.
-
لا تتوقف عن الابتكار
تبقى السرقة الأدبية مشكلة شائعة في معظم الصناعات؛ فهناك قفزات تطورية سريعة ومتلاحقة، حيث يستلهم الأفراد أفكارهم من الأفكار المُعلن عنها حديثًا، وبإجراء بعض التعديلات عليها يمكنهم استنباط أفكار جديدة والوصول من خلالها إلى براءات اختراع حصرية، وذلك اعتمادًا على أن حقوق الملكية الفكرية تحمي الفكرة الأساسية فقط وليس الأفكار المتطورة.
إذا تمكنت من الاحتفاظ بحلقات ابتكارية متصلة لفكرتك فلن يتمكن منافسوك من الِلحاق بك، وهذا من شأنه يضمن لك أن يسير عملك بشكل سلس وسريع، لذلك فإن اعتماد استراتيجية واضحة لتطوير الأفكار أو المنتجات على عدة مراحل منظمة يضمن لك الاحتفاظ بحقوق ملكيتك وفي الوقت ذاته التفوق على منافسيك.
-
تنظيم فرق العمل وتوعيتهم بحقوق الملكية الفكرية
عادة ما يتطلب تنفيذ بعض الأفكار فريق عمل متكامل، ولاشك أنه كلما زاد عدد أعضاء الفريق قد تكون عرضة لتسرب بعض المعلومات حول أفكارك دون قصد، لذلك يلزم تنظيم سير العمل وتقسيم الفريق كلما أمكن إلى مجموعات صغيرة تمتلك كل مجموعة المعلومات التي تخص عملها فقط دون توضيح تفاصيل الخطة الكاملة.
عادة ما يتطلب ذلك مهارات متنوعة سواء في الإدارة وتنظيم العمل أو حقوق الملكية الفكرية، خلق الوعي بين موظفيك فيما يتعلق بالملكية الفكرية يساهم بشكل كبير في حماية حقوقك، فكما هو الحال البشر هم الحلقة الأضعف في سلسلة الدفاع، وبناء استراتيجية أمن الملكية الفكرية اعتمادًا على بنود الحماية وحقوق النشر فقط يحكم عليها بالفشل في كثير من الأحيان، استشِر الخبراء إن لم تكن لديك الخبرة الكافية في تنظيم فريق العمل وحماية حقوقك.
-
اعتماد استراتيجية شاملة لحماية حقوق الملكية الفكرية
الاطمئنان إلى وجود عقوبة انتهاك حقوق الملكية الفكرية فقط لا يعني أنه يمكنك ردع المتعدين على حقوق ملكيتك الفكرية في كل الأحوال، فهناك العديد من الثغرات التي يستغلها البعض لانتهاك حقوق الآخرين، لذلك فإن الأمر يستلزم وجود خطوات عملية مدروسة بدقة وخبرة تضمن من خلالها سد كافة الثغرات الممكنة.
لا تؤتي حقوق الملكية الفكرية ثمارها المتوقعة دون خطة استراتيجية شاملة تتضمن تقنين كافة الحقوق ومراجعة القوانين والتشريعات ذات الصلة، وصياغة حقوق الملكية الفكرية في بنود واضحة تتجاوز من خلالها كافة اشكال انتهاك حقوق الملكية الفكرية، لذا فإن أول خطوة تتخذها قبل التصريح بفكرتك أو الإعلان عنها هي الاستعانة بخبراء الملكية الفكرية وتوضيح معالم فكرتك وأهدافك وبحث سبل حماية الفكرة واستراتيجية العمل الأكثر أمانًا قبل البدء.