كيف ساهمت الملكية الفكرية في تطوّر فن العمارة ؟
تناولنا في المقال السابق لماهية العمارة التى تعد أحد الفنون؛ نظرًا لما تتمتع به من طابع يضيف قيمة جمالية للمبنى فضلًا عن القيمة البنائية. ثم إننا وجدنا علاقة وثيقة بين هذا الفن والملكية الفكرية التي تعطي صاحب هذا الفن الحق فى الحفاظ على إنتاجه الفني بموجب حقوق الملكية الفكرية.
وبهذا الصدد تعرضنا إلى التساؤل عن من تؤول له حقوق الملكية الفكرية هل صاحب الأرض أم صاحب العقار أم المهندس المعماري الذي أنتج هذا العمل الفنى من خلال وضع الرسومات والتصميمات لتجسيد الفكرة المُمثلة فى المبنى أو العقار؟
لذلك كان لابد من الحفاظ على حق هذا المبدع، وهذا ما تبنته القوانين والمعاهدات الدولية، وأبرز هذه الاتفاقيات اتفاقية بيرن التى تغطى حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، واتفاقية التريبس (اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية).
سنتناول فى هذا المقال معايير واشتراطات حماية أعمال المهندس المعماري بموجب حق المؤلف مع طرح بعض الأمثلة على ذلك، والاستثناءات حال انتهاك حقوق المهندس المعماري، مع عرض بعض حالات الانتهاك لهذه الحقوق.
شروط حماية الملكية الفكرية للفن المعماري؟
كما أن هناك معايير واشتراطات لتسجيل براءة الاختراع والمُتمثلة في الشروط الشكلية والموضوعية ويجب أن تُستوفى قبل منح براءة الاختراع، وكما هو الحال في العلامة التجارية إذ يجب أن تكون العلامة جديدة وغير مشابهة لعلامة موجودة للاستخدام فى مجال ما، فإنه أيضًا فى حال التصميمات المعمارية يجب أن تكون جديدة ولم يسبق الكشف عنها قبل التقدم بطلب التسجيل.
نجد أيضًا أن هناك شروط في العمل المعماري ذاته حيث يشترط القانون في العمل المعماري لكي يكون محمياً أن يكون:
- تصميمًا أصلياً، ولا يقصد بكلمة أصلي مجرد الجدّة أو الناحية الجمالية أو الفنية، وإنما الإبداع، بمعنى أن المؤلف (المهندس المعماري) قام بابتكاره مستقلاً دون نسخ أو تقليد عملٍ موجودٍ مسبقاً.
- فضلاً عن الأصالة، يشترط أيضاً ألا تكون العناصر الأصلية والإبداعية ضروريةً، بمعنى أنها تحقق وظيفةً معينة ضرورية في البناء.
فإذا توافرت هذه الشروط وكان العمل أصلياً وغير وظيفي بالمعنى المطلق، فإن العمل يكون حينها محمياً بموجب قانون حماية حق المؤلف.
أمثلة على حماية الملكية الفكرية للتصميم المعماري:
لإيضاح هذه الشروط السابق ذكرها سوف نستعرض مثالين للاسترشاد ونقيس مدى توافر تلك الشروط عليها:
-
المثال الأول: برج القاهرة
صمم هذا المبنى المعماري “نعوم شبيب”، وقد حاكى في التصميم زهرة اللوتس، وهى زهرة فرعونية، نجد أن المبنى يتوفر فيه الأصالة المتمثلة فى شكل زهرة اللوتس مع تطويع التصميم للاستخدام فى البناء وإعطاء الشكل الجمالي للمبنى وعدم الاستخدام لمجرد الوظيفة.
-
المثال الثاني: برج خليفة
صُمِم من قِبل مكتب الهندسة المعمارية “سكيدموري” ومقره مدينة شيكاغو تحت إشراف المهندس المعماري “ادريان سميث” الذي حاكى بتصميمه للبرج زهرة زنبق العنكبوت وهى زهرة صحراوية تنبت بدولة الإمارات.
كيف تحمي الملكية الفكرية التصاميم المعمارية؟
إن الحماية التي يمنحها القانون للأعمال المعمارية تنقسم إلى نوعين: الحماية المدنية والحماية الجزائية؛ الحماية المدنية تعطي المؤلف (المهندس المعماري) الحق في مطالبة من يعتدي على أي من حقوقه بالتوقف عن الاستمرار بهذا الاعتداء، أي التوقف عن نسخ العمل المعماري المحمي أو التوقف عن توزيعه ونشره، كما تعطيه الحق بطلب التعويض المادي المناسب، ويشمل هذا التعويض عن الضرر الحاصل والربح الفائت، والضرر الحاصل يشمل تكلفة التصاميم والضرر المعنوي الذي أصاب سمعة المهندس جراء الاعتداء على عمله، أما الربح الفائت فيعطي الحق للمهندس بأن يطالب المعتدي بجميع الأرباح التي حققها نتيجة قيامه بإنشاء البناء مستنداً إلى تصاميمه أو مخططاته أو رسوماته أو الأبنية القائمة بالاستناد إليها.
سوف نستعرض لقضية انتهاك حق المهندس المعمارى، ففي أحد القضايا التي عُرِضت على القضاء في الولايات المتحدة الأميركية، قام أحد المتعهدين ببناء أربعة عشر منزلاً مستنداً إلى نسخة غير مشروعةٍ من تصميمٍ قام بوضعه أحد المهندسين المعماريين حكمت المحكمة بإلزام المتعهد بأن يدفع للمهندس كامل الأرباح الصافية التي حققها من بيع تلك المنازل، والتي بلغت خمسة ملايين وتسعمائة ألف دولار أميركي.
إن الأرباح التي يستطيع المهندس المعمارى أن يُطالب بها هي تلك الأرباح العائدة إلى التصاميم المستخدمة دون وجه حق، وبالتالي، فقد يدفع المعتدي على حق المؤلف المعماري على دعوى الاعتداء المقدمة ضده محتجاً بأن الأرباح التي حققها لا تعود إلى تصاميم المهندس المعماري، وإنما هي نتيجة مكان البناء أو المنطقة التي يقع فيها مثلاً، فإذا نجح هذا المعتدي في دفوعه، فإنه يقلل حينها من مبلغ التعويض الذي قد يحكم به القاضي لصالح المهندس غير أن المعتدي لا يستطيع أن يدعي حسن نيته وعدم علمه بكون عمل المهندس المعماري محمياً بحق المؤلف، إذ أن الحماية كما قدمنا تلقائية، كما أن سوء النية ليس عنصراً من عناصر دعوى الاعتداء على حق المؤلف، فالاعتداء يقع ولو لم يكن المعتدي عالماً بطبيعة فعله.
إلى هنا ينتهي مقالنا اليوم، على أن نتابع خلال المقالات القادمة تأثير حماية الملكية الفكرية للتصاميم المعمارية وكيف ساهمت الحماية القانونية في تطور فن العمارة.
- سيد شعير
- خبير الملكية الفكرية
- مُحكم تسوية منازعات الملكية الفكري